تحوم الطائرة الصغيرة على ارتفاع منخفض فوق الغابة، وتتلون الأنهار في أسفلها باللون الأصفر الداكن بسبب نفايات التعدين. وفي أعماق غابات الأمازون المطيرة، يراقب موظف حكومي برازيلي مسلحٌ جرافةً تُستخدم لاستخراج الذهب بشكل غير قانوني من إقليم يانومامي الأصلي، وقد اشتعلت فيها النيران وتم تدميرها بناءً على أوامر من الشرطة الفيدرالية.
ظهر هذا المشهد خلال مداهمة حكومية في وقت سابق من هذا العام، في إطار حملة حكومية على التنقيب عن المعادن بشكل غير قانوني، والذي أدى إلى إزالة الغابات والجوع والصراع في منطقة الأمازون في البرازيل. وتعهد الرئيس «لويز إيناسيو لولا دا سيلفا» بتقديم ملايين الدولارات لعمليات حماية البيئة، حيث دمرت السلطات 340 معسكراً للتعدين في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023 فقط، وطردت الغزاة من 80% من الغابات المحمية التي احتلوها.
لكن العديد من عمال المناجم العشوائيين عادوا منذ ذلك الحين إلى منطقة يانومامي التي مُنعوا من دخولها قانونياً منذ أن أصبحت أرضاً محمية فيدرالياً في عام 1992. والواقع أن المساحة الإجمالية التي يشغلها التعدين غير القانوني كانت أكبر بنسبة 7% العام الماضي مقارنة بعام 2022، حيث بلغت ما يقرب من 13.500 فدان. يقول «إدينهو باتيستا»، منسق مجلس السكان الأصليين في رورايما، حيث تقع محمية يانومامي، إن عمال المناجم «لم تخفهم» مهمة الحكومة رفيعة المستوى والممولة تمويلاً جيداً.
وتخزن منطقة الأمازون، التي توصف بأنها «رئة العالم»، كميات هائلة من الكربون، والحفاظ عليها أمر أساسي لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. وفي البرازيل، التي تضم حوالي 60% من هذه الغابات المطيرة الشاسعة، تعد هذه المنطقة موطناً لثقافات السكان الأصليين المهددة بالانقراض ولعدد لا يحصى من الأنواع النباتية والحيوانية.
وعلى الرغم من أن حماية الأمازون كانت محل نقاش على المستوى العالمي لعقود من الزمن، فإن الأنشطة غير القانونية، بدءاً من قطع الأشجار إلى تربية الماشية، ومن تعدين الذهب إلى تهريب المخدرات.. عرّضتها للخطر لفترة طويلة. وتزايد الدمار في عهد الرئيس السابق جايير بولسونارو، الذي شجع الاستغلالَ غير القانوني للغابات المطيرة. تؤكد حرائق الغابات المنتشرة على نطاق واسع عبر منطقة الأمازون اليوم على حالتها الهشة مع تضاؤل هطول الأمطار، ما جعل الغابة أكثر جفافاً.
وقد ضاعف الرئيس دا سيلفا جهودَه لحماية النظام البيئي في منطقة الأمازون وسكانها الأصليين، وتعهد بالقضاء على إزالة الغابات بحلول عام 2030 وإنهاء قطع الأشجار والتعدين وتربية الماشية بشكل غير قانوني على أراضي السكان الأصليين. ومع ذلك، يقول المراقبون إن المال والإرادة السياسية، في هذه المرحلة، قد لا يكونان كافيين بمفردهما.
يقول مارسيو أستريني، السكرتير التنفيذي لمرصد المناخ، وهو ائتلاف من المجموعات البيئية غير الحكومية: «ليس لدينا خطة للغابة، لذا فإننا بحاجة إلى خطة على وجه السرعة».
منذ عام 2019، ازداد العنف والجوع بشكل كبير في أراضي يانومامي، وتحول إلى أزمة تصدرت عناوين الأخبار في الداخل والخارج. يقول السكان الأصليون إن عمال المناجم المسلحين يهددونهم، ويروعون الحيوانات البرية، ويلوثون الأنهارَ بالزئبق، مما يؤدي إلى تسمم الأسماك ومياه الشرب. وقد جلب الغرباءُ أيضاً المخدرات والكحول والعنف الجنسي والأمراض التي تشكل مخاطرَ مميتةً على السكان الأصليين، وفقاً لباتيستا.
في عام 2023، سجلت وزارة الصحة البرازيلية 363 حالة وفاة في محمية يانومامي، وهو معدل وفيات يزيد على ثلاثة أضعاف المتوسط الوطني، مع إصابة العديد من الأطفال دون سن الخامسة بسوء التغذية أو الملاريا الناجمة عن عواقب التعدين غير القانوني، مثل المياه الراكدة. الوضع رهيب، ومع ذلك، «عندما تولى لولا منصبه، تبنى لهجةً مختلفة»، كما يقول «خورخي دانتاس»، المتحدث باسم منظمة السلام الأخضر في البرازيل. فقد أوفى بالعديد من وعوده البيئية، ما أدى إلى تراجع معدل إزالة الغابات إلى النصف خلال عامه الأول في منصبه، وطردت الحكومة آلاف المتسللين من محميات السكان الأصليين.
يقول دانتاس: «أظهرت الحكومة الفيدرالية رغبتَها في مكافحة الجرائم البيئية والحفاظ على المناطق المحمية. لكن جهودها لم تكن كافية». ويقول المدافعون عن السكان الأصليين إن خطوات لولا البيئية في إقليم يانومامي بدأت في التراجع عندما انسحبت الوكالات البيئية التي تعاني ضائقة مالية من المنطقة في أعقاب العمليات المبكرة، وسلمت زمامَ الأمور إلى القوات المسلحة البرازيلية لمواصلة العمل.
وتم تكليف القوات المسلحة العام الماضي بمنع عمال المناجم غير الشرعيين من دخول أراضي السكان الأصليين، وكذلك توزيع المساعدات على القرى النائية التي تعاني آثار التعدين. لكن الجيش، المتعاطف مع بولسونارو، فشل في تسليم آلاف السلال الغذائية إلى شعب يانومامي، بينما سمح للطائرات التي تحمل إمدادات للمناجم غير القانونية بالتحليق فوق المنطقة والهبوط على مدرجات غير مشروعة منحوتة في الغابة. يقول أستريني: «لقد قامت القوات المسلحة بتخريب الخطة، وبالتالي فإن استعادة السيطرة على المنطقة أصبحت أكثر تعقيداً».
ومن جانبها، نفت القوات المسلحة البرازيلية السماح لعمال المناجم بالعودة إلى محمية يانومامي، مؤكدةً أنها تبذل قصارى جهدها لاحتواء المشكلة. لكن الرئيس لولا ناضل من أجل كسب ولاء المؤسسة العسكرية التي يقال إنها كانت متورطةً في اقتحام العاصمة البرازيلية في يناير 2023. ويعلق باتيستا قائلا: «هذا يظهر ضعف الحكومة في منطقة الأمازون، حيث استغل عمالُ المناجم هذا الضعف».
وبالإضافة إلى ذلك، فبينما يراهن المجرمون المنظمون بشكل متزايد على تعدين الذهب غير القانوني، فإنهم يستخدمون الطرق الجوية والبرية والنهرية نفسها لنقل الذهب والأسلحة والمخدرات عبر الغابات المطيرة، كما يقول أستريني، مضيفاً أن «صورة الجريمة البيئية آخذة في التغير».
لكن من ناحية أخرى، فقد خنق المشرعون في الولايات والمشرعون الفيدراليون الجهودَ الرامية إلى تعزيز القوانين البيئية، وفي بعض الحالات، قاموا حتى بتفكيك وسائل الحماية. وفي العام الماضي، أصدر الكونجرس البرازيلي قانوناً يُلزم السكانَ الأصليين بإثبات أنهم احتلوا أراضي أجدادهم التي يطالبون بها قبل دخول دستور البرازيل حيز التنفيذ في عام 1988، وهو الأمر الذي قضت المحكمة العليا بأنه غير دستوري.
وفي أواخر الشهر الماضي، تعهد لولا بتقديم مبلغ إضافي قدره 241 مليون دولار لمكافحة التعدين غير القانوني على وجه التحديد في محمية يانومامي. كما أنشأت إدارتُه قاعدةً حكوميةً جديدةً في ولاية رورايما لتكون بمثابة نقطة انطلاق للمساعدات الإنسانية والعمليات متعددة الوكالات التي تهدف إلى إجبار عمال المناجم غير الشرعية على الخروج مرة أخرى. وستعمل هذه القاعدة حتى نهاية عام 2026.
وعلى الرغم من أن الاستثمارات واسعة النطاق في حماية البيئة ونشر القوات المسلحة قد تكون حلاً «سريعاً ومرضياً» للمشكلة، كما يقول دانتاس، فإنه من أجل إبعاد الغزاة إلى الأبد، يجب على البرازيل أن تنظر بشكل أعمق نحو جذور المشكلة. ويمكن أن يشمل ذلك الاستثمار في وظائف مدرة للدخل لا تضر بالغابات، مثل السياحة البيئية أو استخراج النفط المستدام، لإعطاء عمال المناجم غير القانونيين طرقاً بديلة لكسب لقمة العيش.
آنا ايونوفا
صحفية مستقلة تعمل في البرازيل
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»